الهجوم على قطر كاختبار إقليمي: اصطفاف خليجي، تحديث دفاعات، أم «تهدئة بشروط» ترسم خطوطًا حمراء جديدة؟

في بيئةٍ أمنيةٍ حسّاسة، جاءت الضربة الإسرائيلية داخل قطر لتدفع بالعناوين الكبرى إلى الواجهة: الأمن، الدبلوماسية، والتنسيق الخليجي. لم يمرّ الخبر كتيارٍ عاديٍّ في نشرات المساء، بل هزّ حسابات العواصم وفتح الباب أمام أسئلة مؤجلة: هل تغيّرت قواعد الاشتباك؟

تبدو الدوحة ساحة اختبارٍ حسّاسة لأنها تجمع بين أدوار الوساطة وموقع القاعدة العسكرية الأجنبية، ما يجعل أي خرقٍ في جغرافيتها رسالةً ردعية-تفاوضية مزدوجة. المقصود ليس الأوراق الفلسطينية وحدها، بل يمتد إلى إظهار كلفة رعاية الوساطة وقياس صلابة الموقف الخليجي.

هل كانت العملية قياس حرارة؟ الأقرب للتحليل أنها تقدير موقف مركّب: سياسيًّا لقراءة طبيعة الرسائل الرسمية، وأمنيًّا لرصد تعديلات الدفاع الجوي، وتفاوضيًّا لمراقبة تماسك قنوات الحوار. على نحوٍ أوضح: الرسالة تستفهم: أين تقف الخطوط الحمراء؟ وهل يتحوّل الغضب إلى قواعد عمل؟

على الضفة الخليجية، تتحسّس العواصم أثر السابقة. إذا سقطت سابقة داخل أراضٍ عربية حليفة، فما الضامن لعدم التكرار؟ من هنا تتقدم على الطاولة خمس حزمٍ مبدئية: تطوير شبكات الدفاع الجوي ومكافحة المسيّرات، توثيق أمن مقار الوساطة، تحسين جاهزية الاستجابة، تحديث قواعد العبور الجوي، وإعلان خطوط حمراء موحّدة.

أمّا في المسار المؤسسي، فثمة خياراتٌ سلميةٌ نافذة: مذكرات احتجاجٍ صريح، مراجعةٌ مدروسة لملفات التعاون الحسّاسة، تدويلٌ قانونيٌ مدعوم بالوثائق، لغة سياسيّة متماسكة تُعرّف خرق السيادة بوصفه سابقةً خطيرة يستوجب إجراءات ردعٍ تراكمية. في هذه النقطة تبرز الحكمة: تجفيف مكاسب الاستهداف دون غرقٍ في سباقٍ مفتوح.

الموقف المصري محوري بحكم التاريخ والأمن ودور القاهرة في الوساطة، لكن السيناريو الأرجح لا يذهب إلى مواجهةٍ منفردة، بل إلى ضغطٍ دبلوماسيٍ محسوب مع اصطفافٍ خليجي-مصري يهدف إلى تحصين أمن الوساطة مع الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة. هكذا تُوازن القاهرة بين المصلحة الوطنية ووزنها الإقليمي، وتدفع في صياغة ردٍّ جماعيٍّ رصين.

هل يمكن أن يتحوّل الغضب الشعبي إلى موقفٍ عربيٍّ واحد؟ حسابات المصالح تقول إن الارتباطات الاقتصادية والأمنية متشعبة، وأن الفك الكامل مكلفة بلا جدوى. إلا أن ما يمكن بناؤه هو هامش استقلاليةٍ أوسع: تضامنٌ سياديٌ صلب، تنويعٌ مدروس للشراكات، وقواعد حماية تُرسل للشركاء الدوليين رسالة واضحة: الخلاف سياسي لا حضاري، لكن المساس بالأراضي العربية غير مقبول.

وأين القوى الآسيوية الكبرى من ذلك؟ الملحوظ أنهما يعتمدان خطاب التهدئة، غير أن الحياد لا يمنع توسيع النفوذ: كلما تراجع الاطمئنان بـمظلّةٍ أحادية، ازداد إغراء التنويع عبر تعاونٍ صناعيٍ وأمني لا يقطع الجسور مع الغرب بل يعزّز القدرة على التفاوض. بهذه المقاربة تكسب العواصم هامش قرار دون انقلاباتٍ فجائية.

من العِبَر المباشرة أن أمن الوسطاء ليست هامشًا بروتوكوليًا بل ركنًا في الاستقرار الإقليمي. لذلك تبدو مبادرة قواعد عربية لحماية الوسطاء أداةً رادعة: قواعد واضحة لحماية البعثات، شبكات رصد وتحذير، تصعيدٌ مؤسسيٌ تلقائيٌ محدد لكل انتهاك، وقناة اتصال دائمة مع العواصم المؤثرة لتقليل احتمالات سوء التقدير.

اقتصاديًا، تشتبك المصالح المالية بالقرار؛ الطاقة والاستثمار والسياحة تفترض ثقةً قابلة للقياس. كل سابقةٍ مماثلة ترفع كلفة التمويل، وتضغط على توقعات النمو. وعليه فإن بناء منظومة منعٍ فعّالة أقل تكلفةً بكثير من احتواء توابع كل صدمة. في هذه النقطة تتقاطع مصلحة الفاعل الاقتصادي مع الأمن القومي: استقرار المؤسسات هي الضمانة لاستمرار التنمية.

المسرح غير المرئي لا يقل خطورةً للميدان الصلب. توازن الرواية تحدد المزاج العام، والأدوات الرقمية تربك الخدمات إن تُركت بلا تحصين. الخطة المتوازنة تدمج مركز رصدٍ للسرديات مع دفاعٍ سيبراني موحّد وقواعد تواصل شفافة تُجهض التضليل.

دروسٌ تشغيلية: التموقع والاعتياد يخلقان نافذة في الروتين. بناءُ طبقاتٍ دفاعية—رادار قريب—مع اعتراض طبقي وDecoys يرفع كلفة الهجوم. وفي المقابل فإن انضباط الحركة الجوية يمنح زمن ردٍّ أثمن.

جداول محتملة:

- **72 ساعة**: رسالة موحّدة، حصر آثار، رفع جاهزية الدفاع، خطوط حمراء معلنة.

- **شهر واحد**: توقيع ترتيبات أمنية، تجارب إنذار مبكر، دفعة أولى من إجراءات قانونية.

- **فصلان**: توافقات تشغيلية، نصوص مُعلنة، تنويع شراكات تسليحية، خطط استمرارية الأعمال للشركات عودة الثقة تدريجيًا.

سلّم ردعٍ متدرج:

- قليل الكلفة: رسائل متزامنة، تعزيز الحماية، اشتراطات جديدة.

- إجرائي: تعليق مساراتٍ انتقائية، تحريك ملفات قانونية، مناورات دفاعية مشتركة.

- مرتفع: قوائم حظر تقنية، مظلة دفاع مشترك، إعادة تعريف قواعد عبور—مع صمامات أمان تمنع الدوّامة.

في النتيجة الأقرب، الضربة داخل قطر اختبارٌ قاسٍ لهندسة الردع الإقليمي وأدوار الوسطاء. إن كانت العملية اختبارًا، فإن الاستجابة الممكنة موجودة: تضامنٌ سياسيٌّ سريع، وميلٌ لتغليب العمل المؤسسي، مع أسئلةٍ صعبةٍ لواشنطن وتحذير من سابقة التكرار. ومع دورٍ مصريٍّ راجح وبناء جسور دفاعٍ مشتركة، يمكن للعرب أن يرفعوا كلفة الخرق دون الانزلاق لصدامٍ شامل. هذا هو التوازن الممكن: رسالةٌ قوية بلا انفجار، ووحدة سيادية يقول إن استهداف أراضي الوسطاء ليس ورقة مجانية، وإن حماية البيت العربي مسؤولية مشتركة.

ولأجل مستقبلٍ أقل مفاجآت، تبقى ثلاثة عناوين لا غنى عنها: شبكات إنذارٍ ودفاعٍ مدمجة، ميثاق عربي واضح للوساطة، ومسارات مساءلة مؤسسية تجعل انتهاك السيادة مكلفًا. بهذا فقط، تتحوّل الأزمة فرصة في تأسيس معادلة ردعٍ واعية لا تستعدي الشركاء، لكنها تُحسن الدفاع عن نفسها.

....

Read on shopysquares Exclusive Deals ShopySquares Blog

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *